"الاتفاق النووي" بين طهران و"5+1"..إنجاز دبلوماسي في 2013 تحفّه مخاوف "الجيران"


طهران- الوكالات


في الرابع والعشرين من شهر نوفمبر المنصرم، وقعت إيران والدول الخمس الكبرى الولايات المتحدة، روسيا، الصين، بريطانيا، فرنسا وألمانيا المعروفة بمجموعة (5+1)، اتفاقا مؤقتا مدته ستة أشهر بشأن البرنامج النووي الإيراني والعقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران بسببه، بعد شد وجذب بين أطراف الاتفاق، ولقاءات علنية وسرية مهدت لإنجاز الاتفاق.


ووفقا للاتفاق تلتزم إيران بوقف تخصيب اليورانيوم لنسبة أعلى من 5 في المئة، والتخلص من كمية اليورانيوم المخصبة إلى نسبة 20 في المئة، ووقف أي تطوير لقدرات تخصيب اليورانيوم، مع عدم زيادة مخزون اليورانيوم المخصب إلى نسبة 3.5 في المئة.


كذلك تلتزم الجمهورية الإسلامية بوقف أي نشاط في مفاعل آراك ووقف أي تقدم في مجال تخصيب البلوتونيوم.


كما تلتزم طهران بالشفافية التامة في السماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتفتيش المفاجئ واليومي لمنشآت إيران النووية، بما في ذلك مصانع أجهزة الطرد.


في المقابل تلتزم القوى الغربية الكبرى بتخفيف ''محدود ومؤقت وقابل للتغيير'' لنظام العقوبات على إيران، مع الإبقاء على الهيكل الأساسي للعقوبات كما هو خلال فترة الستة أشهر التي تلتزم فيها القوى الكبرى أيضا بعدم فرض أي عقوبات جديدة إذا التزمت إيران بما تمّ الاتفاق عليه خلال فترة 6 أشهر.


ووفقا للاتفاق، على القوى الكبرى تعليق العمل بعقوبات محددة مثل العقوبات على التعامل في الذهب والمعادن وقطاع السيّارات الإيراني وصادرات إيران البتروكيماوية بما يوفر لها 1.5 مليار دولار من العائدات، والسماح بإصلاحات وإعادة تأهيل بعض خطوط الطيران الإيرانية.


وبالنسبة لمبيعات البترول الإيرانية، تلتزم القوى الكبرة بإبقائها عند مستوياتها المنخفضة الحالية، التي تقل بنسبة 60 في المئة عن مستوياتها في 2011، وكذلك السماح بتحويل 4.2 مليار دولار من عائدات تلك المبيعات إلى إيران على أقساط بالتزامن مع التزام طهران بتعهداتها في الاتفاق، وتحويل 400 مليون دولار من أصول إيران المجمدة لتغطية نفقات دراسة الطلاب الإيرانيين في الخارج.


ومن المقرر أن تستفيد إيران بنحو 7 مليارات دولار لكن القدر الأكبر من احتياطاتها الأجنبيّة (نحو 100 مليار دولار) ستظل مقيدة بالعقوبات، وستبقى العقوبات مفروضة على مبيعات الطاقة الإيرانية؛ حيث لن يسمح بزيادة الصادرات، وكذلك على البنك المركزي الإيراني وعدد من البنوك والمؤسسات المالية الأخرى.


وستستمر العقوبات على أكثر من 600 من الشخصيات والكيانات الإيرانية التي لها علاقة بالبرنامج النووي وبرنامج الصواريخ.


هذا بالإضافة إلى العقوبات الأساسية على قطاعات أخرى مثل الصناعات العسكرية والشحن والعقوبات الدولية وتلك المتعلقة بوضع إيران كـ ''دولة راعية للإرهاب''.


الدور العماني


ومباحثات الاتفاق النهائية التي عقدت على مدى أربعة أيام أواخر شهر نوفمبر الماضي في العاصمة السويسرية جينيف، سبقها لقاءات سرية تمهيدية بين مسؤولين إيرانيين وأمريكيين في العاصمة العمانية مسقط، وقيل إنّها بدأت قبل توقيع الاتفاق بعدة أشهر.


وأٌعلن أن عمان استضافت اجتماعات سرية بين مسؤولين أمريكيين وإيرانيين وساعدت على التوصل إلى الاتفاق، تلك اللقاءات أكدها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قبل توقيع الاتفاق مباشرة حين أكّد أنّه ''ثمرة مفاوضات سرية بدأت قبل أشهر في سلطنة عمان''.


وبحسب ما قاله مسؤول بالخارجية الأمريكية، لوكالة أسوشيتد برس؛ فإنّ المفاوضات جرت بين مسؤولين من البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركيّة من جهة وآخرين إيرانيين من جهة ثانية.


وسلطنة عمان، هي الدولة الخليجية الوحيدة التي تربطها علاقات جيدة مع إيران، و''قامت بدور وساطة بالغ الأهمية''، ووفقا للمسؤول الذي أوضح أنّ كيري كانت له اليد الطولى في إطلاق هذه المفاوضات السرية، حتى منذ ما قبل توليه مهام وزارة الخارجية في الأول من فبراير، أي حين كان رئيسًا للجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ.


ردود الفعل


وقد تباينت ردود الفعل العالمية والإقليمية حول الاتفاق، الذي وصفه البعض بـ''التاريخي''؛ حيث رحبت به أغلب الدول الغربية، واعتبرته خطوة أولى نحو وقف سعي إيران نحو امتلاك السلاح النووي، كذلك رحبت الدول العربية وخاصة الخليجية منها بالاتفاق لكن بحذر، فيما انتابت إسرائيل نوبة هياج جراء الاتفاق الذي وصفته حكومة بنيامين نتنياهو الإسرائيلية ''خطأ تاريخي'' حسبما أوردت هيئة الإذاعة البريطاني بي بي سي يوم 24 نوفمبر.


الولايات المتحدة أبدت على لسان رئيسها، باراك أوباما تقييما إيجابيًا للاتفاق في خطاب مقتضب صبيحة توقيع الاتفاق، حيث قال ''إذا استغلت إيران هذه الفرصة، سيستفيد الإيرانيون من عودتهم إلى حظيرة المجتمع الدولي، وحينها نستطيع التقليل تدريجيا من أجواء عدم الثقة السائدة بين بلدينا''.


لكن أوباما تعهد بأنّ الولايات المتحدة لن تقبل بأي شيء يسمح لإيران بتطوير أسلحة نووية، وفي منتصف ديسمبر أعلنت واشنطن إدراج أكثر من 12 شركة وفردًا على لائحة العقوبات المفروضة على إيران لتعاملهم معها، واعتبر هذا الأمر الذي جاء بالتنسيق بين وزارتي الخارجية والخزانة الأمريكية الأكثر تصعيدًا منذ انتخاب الرئيس روحاني في يونيو 2013.


ووصف وزير الخارجية جون كيري هذا الاتفاق بأنّه ''شراء للوقت للتفاوض على العديد من القضايا العالقة، مضيفا أنّ ''فن التفاوض هو تجنب طرح القضايا التي تعرف سلفا بأنّها غير مقبولة''. من ناحيته رحب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بالاتفاق بـ''حرارة'' وقال إنّه يتبين أنّه تمهيد لاتفاق تاريخي لشعوب وأمم الشرق الأوسط وأبعد من هذه المنطقة.


كما أعربت القاهرة عن ترحيبها بالاتفاق، وأشارت في بيان للخارجية المصرية إلى المبادرة أتى أطلقها وزير الخارجية نبيل فهمي في الأمم المتحدة بالعمل على إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة لدمار الشامل، في إشارة ضمنية إلى إسرائيل.


أمّا إسرائيل التي يعتقد على نطاق واسع أنّها تملك الترسانة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط، فاعتبرت الاتفاق ''أكبر انتصار سياسي ودبلوماسي لإيران في السنوات الأخيرة، وهو يضعنا أمام واقع جديد''، على ما قال وزير الخارجية أفيجدور ليبرمان. كما نقلت القناة الثانية الإسرائيلية عقب الاتفاق عن مصدر سياسي رفيع في الحكومة قوله ''إنّ الاتفاق يترك في يد إيران كل أجهزة الطرد المركزي التي تتيح إنتاج السلاح النووي''، معتبرًا أنّ إسرائيل ''غير مقيّدة بالاتفاق النووي الذي توّصلت إليه الدول الست الكبرى مع إيران''.