الأزمة السورية.. واقع مرير وأطروحات "مؤجلة" تنظر الحسم في 2014


◄ جنيف 1 و"هجوم الغوطة" ومعركة القصير وتسليم الكيماوي.. أبرز المحطات


◄ تشتت المعارضة في محاربة النظام والجماعات المتشددة أضعف من قدرتها ميدانيًا


بيروت- وكالات


قبل أن يلفظ عام 2013 أنفاسه أمس، أعلن عن انقضاء ألف يوم على بداية الثورة السورية التي تحولت مع مرور للوقت إلى حرب أهليّة تنذر يومًا بعد يوم بعواقب وخيمة على المنطقة والعالم بأسره.


وحفل 2013 بالكثير من التطورات التي أثرت في مسار الأزمة السورية، بداية من اتفاق جينيف 1 الذي أُعلن عنه مطلع ذلك العام، وليس انتهاءً بجينيف 2 الذي تحدد له يوم 22 يناير المقبل، مرورًا بأزمة استخدام السلاح الكيماوي والتهديد بالتدخل العسكري والاتفاق على تفكيك ترسانة الأسلحة الكيماوية السورية الذي جنب نظام بشار الأسد مخاطر التدخل العسكري الغربي.


بالإضافة إلى المعارك الميدانية بين الجيش النظامي وقوى المعارضة المسلحة التي شهدت انشقاقات في صفوفها، وتنامي قوة المجموعات الإسلاميّة المتشددة وبعضها يتبع تنظيم القاعدة، الأمر الذي أقلق القوى الغربية كثيرًا وجعلها تتلكأ في إمداد الجيش الحر، الجناح العسكري المعتدل، بالسلاح وما يحتاجه في قتاله ضد نظام الأسد.


تنامي التيار المتشدد كان تطورًا نوعيًا خلال 2013 صب في صالح النظام السوري، حيث الجيش الحر يقاتل على جبهتين الأولى المتمثلة في النظام والثانية متمثلة في تلك القوى المتشددة وفي القلب منها جبهة النصرة ودولة العراق والشام الإسلامية، بحسب ما قاله اللواء سليم إدريس قائد الجيش الحر في مقابلة عبر الهاتف مع الكاتب الصحفي الأمريكي ديفيد إجناشيوس نشرتها صحيفة نيويورك تايمز مطلع ديسمبر الجاري.


التطورات الميدانية وانقسام المعارضة المسلحة وبروز القوى التابعة للقاعدة أدّى بالولايات المتحدة وبريطانيا إلى تعليق مساعداتها غير المميتة لشمال سوريا خشية وقوعها في أيدي المتشددين، وخاصة بعد تعرض مقرات هيئة أركان الجيش السوري الحر في باب الهوى على الحدود التركية لهجوم من مسلحي الدولة الإسلامية في العراق والشام، الأمر الذي استدعى قادة الحر لطلب النجدة من الجبهة الإسلامية.


''جينيف 1''


في 29 يناير 2013، تمّ الإعلان عن البيان الختامي للمؤتمر الدولي السوري في جينيف، للبحث عن مخرج للأزمة السورية التي بدأت في مارس من 2011. البيان الذي تضمن ستة بنود أكد في مقدمته على ''ضرورة حماية سوريا أرضًا وشعبًا، وفي مواجهة مخاطر تدمير اللحمة الوطنية الناتجة عن النظام الديكتاتوري الفاسد على مدى عقود متتابعة''.


وجاءت بنود البيان كالتالي:


1- اعتبار اتفاق جنيف الدولي أساسًا صالحًا للتنفيذ وفي مقدمته إيقاف متزامن للعنف.


2- العمل على إقامة عملية سياسية عبر التفاوض بين المعارضة والسلطة لتنفيذ بيان جنيف الدولي من أجل إصدار إعلان دستوري تتشكل على أساسه حكومة كاملة الصلاحيات لإدارة المرحلة والعمل على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية نزيهة بإشراف دولي.


3- الدعوة إلى عقد مؤتمر جنيف الدولي 2 بحيث يأخذ بعين الاعتبار المستجدات الميدانية ومتطلباتها ويضع آليات ملزمة بنتائج التفاوض من مجلس الأمن وفق الفصل السادس.


4- القيام بأعمال الإغاثة الفورية والعمل على إعادة الحياة إلى طبيعتها لجميع السوريين اللاجئين والنازحين وإعادتهم بتأمين الإيواء المناسب لهم داخل الوطن ومعالجة الجرحى وتعويض المتضررين وإعادة المؤسسات التعليميّة والصحيّة والمباشرة بإعادة الإعمار.


5- الالتزام بوحدة سوريا شعبا وأرضًا وعلى المساواة الكاملة بين جميع السوريين، وإقامة نظام سياسي يحترم حقوق الإنسان والشعوب والحريات العامة حسب المواثيق الدولية والدخول إلى مجتمع الحداثة والمعاصرة، مجتمع المواطنة المتساوية.


6- من أجل تفعيل ما اتفق عليه المجتمعون على تشكيل لجنتين:


أ‌- لجنة هدفها إقامة القطب الديمقراطي المدني في سوريا والتواصل مع قوى المعارضة السورية بكافة أطيافها.


ب‌- لجنة هدفها التواصل والتنسيق مع الجماعة الدولية والمجتمع المدني العالمي فيما يساعد على تحقيق أهداف الثورة السورية في الحرية والكرامة والسيادة الكاملة.


إلا أنّ نحو عام مضى على هذا الاتفاق ولم يحدث أي تقدم نحو حل للأزمة الطاحنة التي تخلف كل يوم مئات القتلى والجرحى، حتى وصلت ضحاياها أكثر من 113 ألف قتيل بحسب إحصاءات الأمم المتحدة، وملايين النازحين داخليا وخارجيا في دول الجوار من الأردن وتركيا ولبنان ومصر وغيرها.


تعددت المعارك التي ارتكبت في سوريا على مدى العام، التي تبادل فيها النظام والمعارضة الاتهامات بشأنها، إلا أنّ هناك معارك و''مجازر'' شهيرة شكلت محطات رئيسة في خط سير الصراع الدامي، أشهرها مجزرة الغوطة التي وقعت في أغسطس الماضي وأدت إلى أن يتخلى النظام السوري عن ترسانته من الأسلحة الكيماوية التي لا تزال القوى الغربية تبحث عن إمكانها لتدميرها.


معركة القصير


تعتبر معركة القصير من أهم المواجهات التي خاضها طرفا الصراع في سوريا، الجيش النظامي، من جهة، والجيش الحر من جهة أخرى، نظرًا للأهمية الاستراتيجية للمدينة التي تربط بين دمشق العاصمة ومحافظة حمص.


واستمرت المعارك 18 يومًا، انتهت بسيطرة الجيش النظامي عليها.


المعركة بدأت في 19 مايو 2013، واستخدم فيها النظام السوري الطائرات والمدفعية الثقيلة قذائف الهاون، واقتحمت قوات الجيش مدعومة بمقاتلين من حزب الله اللبناني المساند لنظام الرئيس بشار الأسد.


وتعد هذه المعركة التي يعلن فيها حزب الله بشكل علني مشاركته في الصراع في سوريا بجانب قوات الأسد، بعد أنّ اتهمه اللواء سليم إدريس قائد الجيش الحر بـ''عزة سوريا''، في لقاء مع بي بي سي في 30 مايو.


وقال إدريس إنّ أكثر من 7 آلاف من مقاتلي حزب الله شاركوا في معركة القصير. وقالت الخارجية الفرنسية إنّ ما بين 4 آلاف إلى 4 آلاف مقاتل من حزب الله شاركوا في المعركة، في الوقت الذي طالبت الولايات المتحدة، حزب الله بسحب مقاتليه من سوريا فورا.


والسيطرة على المدينة تمثل أمرًا بالغ الحيوية لطرفي الصراع؛ فهي بالنسبة للحكومة السورية وحزب الله، تربط بين حمص ودمشق، ويستخدمها النظام السوري للسيطرة على حمص وربط قوات الجيش إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط وميناء طرطوس، وحزب الله فهو يريدها بعيدا عن أيدي المعارضة، لحماية مؤيديه في لبنان من هجمات المعارضة السنية. أمّا بالنسبة للمعارضة، فهمي معبر للمقاتلين السنة اللبنانيين الذين يعبرون الحدود للقتال إلى جانب الثوار في سوريا.


هجوم الغوطة الكيماوي


لم تكد تمر ثلاثة أشهر على معركة القصير، حتى وقعت هجوم بغاز الأعصاب الغوطة الشرقية في دمشق، يوم الأربعاء 21 أغسطس والتي راح ضحيّتها المئات من سكان المنطقة منهم الكثير من الأطفال جراء استنشاق الغازات السامة.


وكالعادة تبادل النظام والمعارضة الاتهامات بالمسؤولية عن الواقعة، وقد طالبت 35 دولة في الأمم المتحدة فريق المفتشين الدوليين الموجودين حاليا في سوريا بالتوجه إلى موقع الهجمات وإجراء تحقيق.


الاستخبارات الألمانية، من جهتهاـ قالت إنّ هجوم الغوطة من تنفيذ النظام السوري رغم عدم وجود أدلة قاطعة على ذلك، بحسب ما نشرته مجلة دير شبيجل يوم 5 سبتمبر الماضي، وأوردت الصحيفة أنّ سبب ارتفاع الضحايا يرجع إلى خطأ'' في عيار الغازات السامة المستخدمة في الهجوم، إلا أنّ روسيا اتهمت المعارضة بالوقوف وراء الهجوم، وقال المتحدث باسم الخارجية الروسية في بيان له إنّ الصاروخ بالمواد الكيميائية أطلق على الضواحي الشرقية لدمشق من مواقع المسلحين.


ووفقًا لبيانات، منظمة أطباء بلا حدود، فإنّ 355 شخصًا قد قتلوا نتيجة تسمم عصبي من بين حوالي 3600 حالة تمّ نقلها إلى المستشفيات، إلا أنّ المعارضة قالت إنّ عدد القتلى وصل إلى 1466، وهو رقم قريب من الذي أعلنته الاستخبارات الأمريكية في تقرير لها.


وبعد ضغوط دولة، تمّ تشكيل لجنة تفتيش لجنة أممية للتحقيق من استخدام السلاح الكيماوي في الهجوم، حسبما قالت شبكة سي إن إن الإخبارية في 21 أكتوبر 2013، وقالت اللجنة في تقريرها إنّ غاز السارين أطلق بواسطة صواريخ أرض- أرض.


وخلصت بعثة الأمم المتحدة في تقريرها النهائي الصادر في 13 ديسمبر إلى أسلحة كيماوية استخدمت في الصراع الدائر بين الأطراف في سوريا، إلا أنها لم توضح من المسؤول عن استخدام تلك الأسلحة، حيث اقتصر التحقيق على محاولة معرفة هل تمّ استخدامها لا من الذي استخدمها.


التهديد بالتدخل العسكري


في أعقاب هجوم الغوطة الكيماوي، علت الأصوات التي تطالب بالتدخل العسكري في سوريا، وتحدثت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، عن توجيه ضربة عسكرية، ردًا على استخدام الأسلحة الكيماوية.


وحشدت الولايات المتحدة قواتها، حيث قال وزير الدفاع تشاك هاجل إن واشنطن جاهزة لتنفيذ ضربة عسكرية محدودة ضد سوريا، إلا أنّ الرئيس الأمريكي باراك أوباما طلب تفويضًا من الكونجرس وهو ما لم يتحقق، خاصة بعد أن رفض البرلمان البريطاني المشاركة في الضربة المحتملة التي كانت بين قوسين أو أدنى.


وتحركت روسيا، وصعدت من تصريحاتها لتفادي توجيه الضربة العسكرية لسوريا ونظام الأسد حليفها المقرب، وتلقفت الخارجية الروسية تصريحًا من وزير الخارجية الأمريكية مفاده إمكانيّة تفادي الضربة العسكرية حال تخلي الأسد عن ترسانة الأسلحة الكيماوية التي بحوزته.


وجرت مباحثات بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن نزع السلاح الكيماوي السوري في شهر سبتمبر الماضي، وخرجت المباحثات باتفاق على تدمير المخزون السوري من ذلك السلاح تحت مظلة أممية.


وبعد تلك المباحثات الثنائية (بين واشنطن وموسكو) عقد مجلس الأمن جلسة حول هذا الأمر وخرج المجلس بقرار فجر السبت 28 سبتمبر الماضي بالإجماع أدان فيه استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا ويطالبها بنزعها وتدميرها بحلول منتصف 2014، على أن تتولى منظمة حظر الأسلحة الكيماوية ذلك.


جينيف 2


مع احتدام القتال بين أطراف الصراع في سوريا، كان المبعوث الأممي العربي الأخضر الإبراهيمي يجوب الأرض شرقًا وغربًا من أجل الاتفاق على موعد لعقد مؤتمر جينيف 2، بعد أن تمّ إرجاؤه عدة مرات نظرًا لعدم اتفاق الأطراف حول صيغة يمكنهم بدء التفاوض حولها، فضلا عن انقسام المعارضة على أنفسها.


والمؤتمر الذي أعلن الأمين العام للأمم المتحدة عن عقده في 22 يناير المقبل، يستهدف إلى البناء على اتفاق توصلت إليه القوى العالمية بجنيف في يونيو 2012 تحت رعاية الوسيط السابق كوفي أنان ويدعو إلى انتقال سياسي بسوريا.


ومن المقرر أن يعقد المؤتمر مدينة مونترو السويسرية بدلا من جينيف ''لأسباب لوجستية''، حسبما قالت خولة مطر المتحدثة باسم مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي.


لكن الخلافات حول المؤتمر بين أطراف الصراع السوري لا زالت قائمة؛ الأمر الذي يهدد بتأجيله مرة أخرى، خاصة وأنّ الخلاف على مصير الرئيس بشار الأسد في مستقبل سوريا، وصلاحيات الحكومة السورية الانتقالية المعتزم الاتفاق على تشكيلها خلال المؤتمر لم تحسن بعد، إضافة إلى الخلافات في صفوف المعارضة وتنامي القوى المتشددة مثل جبهة النصرة ودولة العراق والشام الإسلامية. وسيبقى سؤال الأزمة السورية حتى إشعار آخر.