هل دعم قضايا الأمة المصيرية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية؟

38

بعد 3 سنوات -


حساب الحصاد المرّ للربيع العربي المزعوم!

خريف لا ربيع -


يرى العديد من المراقبين والمحللين والسياسيين الاستراتيجيين أن اكبر خدعة ابتلعها العرب في الأعوام المنقضية إنما كانت خدعة الربيع العربي، لاسيما وأن حالة شاملة من الإحباط تسود الجماهير العريضة من الشعوب العربية لعدم تحقيق تقدم ملموس في حياتهم على الصعيد المعيشي والاقتصادي والسياسي… ما صدق هذا الحديث؟

بالقطع ذلك كذلك، لاسيما في ظل حالة الفوضى، ومعها تساقط أوراق أشجار العالم العربي، كما في الخريف، فبين كل فترة انتقالية وأخرى تتولد حالات من التفكك والتفسخ، وربما كان في النموذج المصري دليل على ذلك فمن بين ملامح الفوضوية عقب سقوط نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك هو انتخاب برلمان قبل وضع دستور جديد على عكس المتعارف عليه في العلوم السياسية على مستوى العالم، وقد كانت نتيجته الاختيار مأساوية وكلفت المصريين ثورة ثانية في محاولة لتصويب مسار الثورة الأولى التي امتلأت حتى آخرها بالإخفاقات في تحقيق أي من الشعارات التي رفعت من أجلها اللافتات في ميدان التحرير وغيره من ميادين المحروسة.

في 23 ديسمبر 2013 صدر عن مركز المزماة للدراسات والبحوث دراسة مهمة عن أحوال العالم العربي تحت عنوان “دول هشة ممزقة ومستقبل قاتم” وضمن ما تقوله الدراسة أن الأوضاع لم تختلف بالنسبة لكثيرين من سكان تلك الدول عن ما كانت عليه في السابق، خاصة مع حالة الدمار التي حلت بهذه الدول، وبالمجمل فإن الدول التي تعرضت للثورات العربية مثل مصر وتونس واليمن وجدت نفسها في الدوامة ذاتها، ولم يحقق المواطن متطلباته السياسية والحياتية اليومية، فلم تتوافر له فرص العمل، كما لم تتحسن نوعية ومستوى الحياة، لا بل تشهد تلك البلاد حالة من الفوضى وفقدان الأمن، فما حدث أنه بعد قيام الثورات التي كانت سريعة نسبيا في تلك الدول، وأدت إلى هروب أو خلع الأنظمة القديمة، قامت جماعات سياسية باستغلال الأوضاع والتقنع بالديمقراطية لتحقيق أهدافها كما حدث في حالة تونس ومصر، حيث تسلقت جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة وحاولت إقامة مشروعها دون مشروع الدولة، مما أدى في مصر إلى فشل ذريع وثورة مضادة لحكم الإخوان ليتم عزلهم في نهاية المطاف، أما في تونس فقد وجدت الجماعة الإخوانية من تجربة مصر درسا مهما للغاية لتمارس الخداع السياسي وتقيم تحالفات تضمن لها الحصول على القسم الأكبر من الكعكة.


الديمقراطية الأمريكية


يحق لنا أن نتساءل هل كانت كافة أحاديث أمريكا عن الديمقراطية والترويج لها أحاديث صادقة في مبناها وفحواها ومغزاها أم أنها أحاديث مزورة بشهادة الأمريكيين أنفسهم، المؤكد أن نتيجة الجواب ستكون غاية في الأهمية، ذلك أنه إذا كان الكذب يغلق تلك النوايا عقودا طوالا، فإن ما جرى لاحقا وأطلق عليه ربيع عربي كان أكبر كذبة أمريكية حتى الساعة … من يؤيد ما نقول به؟ في كتابه “إجهاض الديمقراطية … الحصاد المر للعلاقات المصرية الأمريكية في أربعين عاما” لمؤلفه “جايسون براونلي” أستاذ العلوم السياسية لجامعة تكساس الأمريكية عن كيف أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ زمن كارتر وحتى أوباما كانت وراء إفساد التجربة الديمقراطية المصرية الداخلية وكيف أنها كانت إدارات داعمة لأشكال من الحكم لا علاقة لها بالديمقراطية على حد قوله، كان كل ما يهم الولايات المتحدة بحسب “براونلي” هو تحقيق أمن إسرائيل وضمان وجود علاقات ودية مع الدولة المصدرة للنفط، وهي الأهداف التي شكلت على نحو ثابت طبيعة التعاون بين البلدين، وفي الفترة التي أعقبت حرب أكتوبر 1973 استأنفت مصر والولايات المتحدة العلاقات الدبلوماسية قبل أن تتطور هذه العلاقات لتشمل حصول القاهرة على مساعدات ضخمة لتحديث القوات المسلحة المصرية وإحياء الاقتصاد المصري والتعاون العسكري للحفاظ على الوجود الأمريكي في الخليج.

وعلى الرغم من تباهي كارتر بكونه مدافعا عن حقوق الإنسان، إلا أنه امتنع عن انتقاد السادات بسبب تزوير الاستفتاءات والقيود التي فرضها على النشاط السياسي– كما يقول المؤلف– وفي الواقع عول كارتر على صلاحيات السادات الواسعة من أجل إنجاز معاهدة السلام المصرية– الإسرائيلية، وكان لهذا النهج عواقبه في الدخل المصري وثبت أن رئاسة السادات لم تكن لتصمد أمام حجم الانتقادات الداخلية… لماذا إذن كانت المساعدات الأمريكية الاقتصادية والعسكرية لمصر، لاسيما إذا لم يكن هدفها الأول والأخير العمل على نشر الديمقراطية والحفاظ على حقوق الإنسان وما إلى ذلك؟

يرى “جيمس براونلي” أنه بخصوص برنامج المساعدات الأمريكية لمصر، فقد هدف إلى ضمان ولاء المؤسسة العسكرية وإبقاء الشعب هادئا، فمن شأن الطائرات المتقدمة والدبابات أن تمنع الجيش المصري من الوقوف ضد السادات أو أثر ليتحول الجيش إلى دعم السوفييت، أما المعونات الاقتصادية فكانت لمنع أية ثورات شعبية، وفي حين ساعد المسؤولون الأمريكيون السادات كي يتجنب مصير الشاه، إلا أن تشجيعهم القمع قد خلف مخاطر أخرى لشريكهم المصري، وكانت النهاية باغتيال السادات، وهي عملية يرى البعض أن هناك غموضا ما لا يزال يلفها، وأن دور السادات كان قد انتهى، دون أن يكون لفكرة نشر الديمقراطية أهمية تذكر.


رؤية أكاديمية


كيف رأي الأكاديميون والمتخصصون حال ومآل ظاهرة الربيع العربي والثورات العربية في السنوات الثلاث الفائتة؟ خذ إليك بداية، رأي “جاين هارمان” المديرة التنفيذية في مركز “وودرو ويسلون” الدولي للباحثين، والتي تولت منصب سيناتور في مجلس الشيوخ الأمريكي، فهي على سبيل المثال ترى أن الثوار في ميدان التحرير بمصر وغيرها من الميادين كانوا أفضل في عملية إسقاط الحكومات والأنظمة من تكوين حكومات وأنظمة جديدة، وفقط في تونس حيث كان الإسلاميون وبالتحديد مؤسس حركة النهضة راشد الغنوشي، مستعدا للتنازل عن السلطة في سبيل الوصول إلى حكومة تعددية مستقبلية… ماذا يعني ذلك؟ ربما كان المعنى هو أن المطلوب إسقاط الأنظمة لا بناء الدول، وحتى نموذج الغنوشي الذي تتغنى به “جاين هارمان” قد أثبت لاحقا فشله الواضح في استقرار شؤون تونس.

أما الأكاديمي المصري “خليل العناني” فيرى أنه ربما يكون من المبكر إطلاق حكم نهائي على نتائج الثورات العربية أو ما بات يعرف بالربيع العربي، إن لم يكن بسبب السخونة والاشتباك على أكثر من جبهة ثورية كما هي الحال في اليمن وسورية وجزئيا في ليبيا، فعلى الأقل لأن حصاد الثورات قد يحتاج سنوات وربما عقودا من أجل تقويمه والحكم عليه، بيد ان السنوات الماضية والتي تنبئ بما هو آت، تقطع بأن الشعور المتزايد لدى قطاع غير قليل من شباب الثورة في مصر وتونس أو من أقرانهم في البلدان العربية الأخرى هو القلق الممزوج بالتشاؤم على مستقبل الربيع العربي.

وإذا انتقلنا إلى شاهد من تونس، فنستمع إلى الكاتب الصحفي والحقوقي التونسي “كمال بن يونس” الذي يرى أن دول الربيع العربي في حاجة إلى ثقافة الحوار والتوافق لا الاستقطاب والاحتداب كما يشير إلى أن الصبغة الانتقالية لمرحلة ما بعد ثورات الربيع العربي ودخول تونس وكامل الوطن العربي في مرحلة “ثورة شاملة” يستوجب فتح حوارات فكرية وفلسفية ونظرية حول مفاهيم الصبغة المدنية للدولة في المجتمعات الإسلامية وقضايا الهوية والتوفيق بين متطلبات الحداثة والمرجعيات العقائدية والتفاعل مع تجارب الحكم في الديمقراطيات العلمانية الغربية… وبهذا القول فإن هناك حالة من القصور الشديد في الواقع العربي عن الوصول إلى هذه الدرجات العليا من الإدراك السياسي لاسيما عند غالبية الجماهير التي خرجت إلى الميادين، ومؤدى هذا الكلام أن ظاهرة الربيع من الأصل كانت غير واقعية أو حقيقية.

وثالثا يرى البروفيسور “بول سالم” مدير مركز كارينجي للشرق الأوسط في بيروت، أن الشعوب عادة تسعى إلى نضالها من أجل الحقوق السياسية والاجتماعية، وأن هذه ليست مسألة مصطنعة أو اختراعا غريبا، بل هو جزء من نهج طبيعي في التاريخ البشري، لكنه يشدد على أن إلحاق الهزيمة بنظام سلطوي لا يعني الوصول إلى الديمقراطية، فالكثير من دول العالم أطاحت نظما سلوطية، لكنها انحدرت إلى الحرب الأهلية، أو انضمت إلى خانة الدول المنهارة، أو استبدلت بديكتاتورية أخرى. لقد مرت أمريكا اللاتينية وأوربا وإفريقيا وحتى العالم العربي، في مراحل مبكرة من الدمقرطة، لكن الكثير من حكوماتها الديمقراطية ضعفت وانهارت في وجه تحديات أكبر، وأن ثمة خطر من هذا النوع الآن مثلا في ليبيا واليمن وسورية.

كما يلفت البروفيسور سالم إلى إشكالية ثانية وهي أن طبيعة البنى السياسية والاجتماعية– الاقتصادية السابقة في البلد مهمة جدا، وإذا لم يكن ثمة اتفاق عن هو “الشعب” فسيكون من الصعب للغاية إقامة ديمقراطية مستقرة، إن ضعف الوحدة الوطنية أفسد تجربة الديمقراطية في لبنان والعراق، وقد يتهدد المشروع الديمقراطي في مصر وليبيا واليمن وسوريا، علاوة على الوحدة الوطنية تتطلب الديمقراطية المستقرة إرثا من تقاليد دستورية وقانونية ومؤسسات انتخابية، وتعددية سياسية، وبيروقراطية فاعلة، ومؤسسات أمن قومي، ومجتمع مدني حيوي، وسلطة قضائية قائمة وإعلان حرّ، ومؤسسات النشاط الاقتصادي الحر المقنن.


القضية الفلسطينية


منذ ثلاثينات القرن العشرين المنصرم والقضية الرئيسية التي تمحور حولها العالم العربي كانت القضية الفلسطينية واحتلال المؤسسات في فلسطين، وطوال ثمانية عقود كانت هي ربما نقطة الالتفاف والتمركز العربية الوحيدة، ورغم التشظي العربي المعهود حول العديد من تلك القضايا الحيوية العربية اليومية.

ولعل السؤال المطروح الآن هل جاءت الانتفاضات أو ثورات الربيع العربي لتدعم هذه القضية أم أن الضعف العربي القاتل الذي خلفتاه كان ولابد أن ينسحب سلبا على مكانة القضية من سلم الأولويات العربية والدولية؟ الشاهد أن هناك وجهة نظرة مثلها المفاوض الفلسطيني الشهير الدكتور صائب عريقات، أشار فيها إلى أن القول إن الربيع العربي قد همش القضية الفلسطينية، هو قول غير سديد، وأن الفلسطينيين لم يكونوا أقرب إلى إعادة فلسطين، أكثر مما هم الآن، وأن قضية فلسطين سوف تبقى قضية العرب المحورية والمركزية، ولكن واقع الحال يشير إلى أن هناك رؤية مخالفة في الاتجاه المعاكس، رؤية ترى أن الربيع العربي قد خذل الفلسطينيين والقضية الفلسطينية.

خذ إليك المقال الذي كتبه الكاتب “عبد الهادي العجلة” المتخصص في الشؤون السياسية في جامعة ميلانو الإيطالية وقد نشر مؤخرا مقالا في موقع “يورميدل إيست” أكد فيه على أنه بالنسبة للفلسطينيين فقد جلب الربيع العربي المزيد من الضيق وشدة الحصار والفقر الشديد، فضلا عن المزيد من الكراهية تجاههم.

يرى “العجلة” أنه بينما ينشغل العرب الآخرون بثوراتهم بات الفلسطينيون بمفردهم في جرائمهم ضد الاحتلال الإسرائيلي، وذلك على الرغم من الخطط الجادة لتهويد القدس التي يتم تنفيذها بالفعل على ارض الواقع، ، وتتعرض السلطة الفلسطينية للضغوط التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للموافقة على اتفاق يبتعد كثيرا عن احترام الحد الأدنى من مطالب الفلسطينيين، ويتفق العديد من قادة فتح وحماس على أن مطالب الربيع العربي قد أسهمت سلبيا وأثرت بشكل سيئ على الشعب الفلسطيني… هل هذا كل شيء؟ بالقطع لا، فالعجلة يرى أن الانقسام الفلسطيني قد تعمق وتجاهلته مصر منذ سقوط حسني مبارك، وبعد انتخاب محمد مرسي رفضت حماس كل الجهود لإنهاء الانقسام الفلسطيني، وحال الربيع العربي في مصر دون بذل جهود لتوحيد الفلسطينيين، كما ازدادت الغطرسة بين النخبة في حماس، حيث إن حماس فرع من جماعة الإخوان المسلمين فضلا عن علاقتها بإيران، وقد منحها صعود مرسي إلى السلطة المزيد من القوة والثقة، بيد أنه بعد الإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين، تصاعد التوتر بين حماس والجيش المصري وتم تدمير غالبية الأنفاق بين مصر وقطاع غزة.

هل يعيد مشهد الربيع العربي المخول مأساة أخرى تعرض لها الفلسطينيون من قبل نحو عقدين من الزمن وتكفلوا من جرارها تكلفة عالية؟ يبدو أن ذلك كذلك، وهو الأمر الذي يلفت إليه “العجلة” إذ يذكر بأن ما يحدث حاليا يشبه الثمن الذي تكبده الفلسطينيون في حرب الخليج الثانية عندما تحالف ياسر عرفات مع صدام حسين، وكان على الفلسطينيين أو غالبيتهم في معظم دول الخليج الرحيل وترك أعمالهم وأرزاقهم من جراء هذا الموقف السياسي لقيادياتهم.

وطبقا لاستطلاع رأي أجراه مركز “مفتاح” في الأراضي الفلسطينية فإن 55% من الشباب الفلسطيني في الضفة الغربية، و60% من الشباب في قطاع غزة، يرون أن الربيع العربي والتغيرات الإقليمية أثرت سلبا على القضية الفلسطينية… هل كانت إسرائيل على العكس مستفيدا أكبر من الربيع العربي؟


إسرائيل وربيع العرب


قبل الجواب المهم على علامة الاستفهام المتقدمة ربما يتوجب علينا أن نتساءل كيف تنظر إسرائيل الآن إلى ظاهرة الربيع العربي؟ في 15/12/2013 كتبت صحيفة بديعوت أحرنوت في افتتاحيتها تحت عنوان “الجمود العربي” تقول أن هناك ثماني نتائج تبدو واضحة بعد ثلاث سنوات من لطمة بوعزيزي ولاحقا انتشار النيران في بقية العالم العربي نختار من هذه الثماني نتائج البعض، فعلى سبيل المثال تؤكد بديعوت أن الشباب الذين قادوا انتفاضة الميادين، قد اختفوا، فالسلطة التي قامت بفضلهم تتجاهل الجيل الذي يطلب حياة عادية وعلاجا جذريا للمشكلة الاقتصادية وخيبات أمل المواطن الصغير، عطفا على ذلك تؤكد الصحيفة الإسرائيلية أنه لم تعد توجد أمة عربية موحدة، فالعالم العربي في نظر الأجنبي يجري عليه تعريف جديد، فلم يعد يوجد محور (شر “الإسلاميين”) مؤيدي الإرهاب بإزاء المعسكر المعتدل الذي يمكن إتمام صفقات معه.

نكتشف كذلك من رؤية بديعوت وجود إدراك في إسرائيل لحقائق ما يجري في دول هذا الربيع، مثل الأحوال الاقتصادية، فلم تطو فقط الأحلام بمستقبل اقتصادي أفضل، فمصر تعرف وليبيا تخوض حروب داخلية، وتونس تذعر الغرب.

يلفتون أيضا في إسرائيل إلى أن النساء في العالم العربي هن أكبر الخاسرات فبعد أن أدّينَ أدوارا رئيسية في المظاهرات، ففي سوريا طرحن بتنكيل معين في السجون، وفي مصر أوجدوا طرق تحرش لإبقائهن في البيوت، ووضعهن سيئ في تونس، والمغرب أيضا، بل إن النقاب لن يجدي، من النيل إلى دجلة يجلس الفقهاء أمام آلات التصوير التلفزيونية، ويدعون إلى العنف وإلى حظ الخروج من البيوت وإلى ختان واجب للنساء للحفاظ على كرامة العائلة، والثابت أننا نختلف دائما وأبدا مع التحليلات الإسرائيلية لكن يبدو هذه المرة أنهم رصدوا الواقع السلبي لهذا الربيع رصدا مدققا وعليه يحين الجواب عن السؤال المتقدم.

إسرائيل هي الرابح من الربيع العربي.. هذه هي الإجابة عن السؤال السابق، إسرائيل وإسرائيل وحدها هي الفائز الأكبر في هذا الخراب الذي أصاب العالم العربي، فوفقا لعدد من المحللين استفادت إسرائيل من الفوضى الشرق أوسطية الجديدة، فأول المكاسب التي تحققت لها هي أنها حاولت ولا تزال إبعاد مصر من أن تكون وسادة الغرب السياسية في المنطقة، وبهذا تكون قد تمكنت من الانتقام من مصر السادات في السبعينات وتصورت أنها ستتمكن من إرباكها جغرافيا، وأن تقلل من ثقلها الجغرافي والديموغرافي، المرتكز على ارتفاع نسب الشباب، وذلك من خلال موجات استياء متواصلة لديهم، يغزيها مزيج سام يندس عبر وسائل التواصل الإلكترونية، والمزيد من البطالة في ظل أنظمة جديدة عاجزة عن توفير فرص عمل، واقتصاد منهار وإيجاد حالة فزع لدى المستثمرين الأجانب، مع انهيار شبكة رجال الأعمال التي تكونت عبر العقود الثلاثة المنصرمة، كل هذا كان كفيلا بأن يجعل ثقة الشباب المصري المرعب لإسرائيل، قنبلة متفجرة في وجه المصريين أنفسهم.

أما عن سوريا فالوضع لم يختلف كثيرا، وعلى غير المصدق أن يقرأ ما كتبه “داني بالون” نائب وزير الدفاع الإسرائيلي مؤخرا في مقال له عبر مجلة “الفورين بوليس” الأمريكية، عندما تحدثت عن نتيجة واحدة تخص إسرائيل في ذاك الذي يجري في سوريا، فقد حسنت الأزمة السورية موقف إسرائيل الاستراتيجي في المنطقة: إن إضعاف بشار الأسد وتعطيل خطته للهيمنة الاستراتيجية، هو نعمة لأمن إسرائيل وأنه فقط مع ضمان أن لا تقع أسلحة “لعبة التغيير” في أيدي من قد يهدد امن إسرائيل، فإن ما يحدث لسوريا الآن هو مصلحة إسرائيل، بعد التخلص أيضا من حزب الله المتورط حاليا في سوريا، مما يعني أن مواطني إسرائيل يمكنهم أن يناموا آمنين…

هل كانت هناك نتيجة عسكرية مباشرة حققتها إسرائيل في العقد الماضي؟

بالقطع كان خروج الجيش العراقي ولاحقا الجيش السوري من دائرة إمكانية التصدي والتحدي، والمواجهة والمجابهة مع إسرائيل عسكريا أكبر مميزات تحققت لإسرائيل، حتى تصبح الطرف الأقوى والمتحكم في القدرات الأمنية والعسكرية للشرق الأوسط، ولهذا يفهم كيف أن شهوة قلب إسرائيل الآتية هي جر الجيش المصري إلى مواجهات على مختلف حدوده لتشتيت جهوده.

هذا ما كشفه جهاز الموساد الإسرائيلي بأن وضع إسرائيل الجيواستراتيجي ازداد قوة خلال العام الماضي وذلك بسبب انهيار وضعف الجيش العربي والسوري، وانشغال الجيش المصري في ممارسة القاعدة بشمال سيناء، وجاء ذلك عقب جلسة خاصة عقدها المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر “الكابينت” بقادة أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية داخل مقر الموساد شمال تل أبيب.


نتائج غير متوقعة


على أن هناك نتائج غير متوقعة رصدتها هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) عبر موقعها الإلكترني لتلك الظاهرة ونشير إليها بدون اختصار مخل:

- الأنظمة الملكية صامدة: فقد تمتعت باستقرار واضح، أما الحكومات التي سقطت أو اهتزت فكانت غالبا مشكلة على طراز سوفييتي، يهيمن عليها ضرب واحد وتدعمها مؤسسات أمنية قوية.

- الولايات المتحدة لم تعد محرك اللعبة: لم يكن الربيع العربي مربحا لواشنطن ففي البداية كانت تعتقد أنها أمام شرق أوسط راكد تمتعت فيه بتحالفات مع مصر وإسرائيل والسعودية، ولم تستطيع أن تجاري الأحداث المتتابعة في مصر التي انتخبت فيها رئيسا إسلاميا، هو محمد مرسي تم عزله من الجيش بعد عام، وسط مطالبات شعبية بتنحيه.

- الرابحون الخاسرون: حققت الإخوان المسلمون بمصر نجاحا ضخما في الانتخابات التي أجريت بعد إسقاط نظام حسني مبارك، وبدوا مستعدين لإعادة تشكيل أكبر دولة بالمنطقة، إلا أن الجيش أبعد الجماعة عن السلطة، وعادت جماعة ليس محظورة فقط بل إرهابية.

- النتائج التالية، تتناول الحديث عن الأكراد الذين يحصدون المكاسب والمرأة العربية التي وقعت ضحية لانتهاكات ما بعد الربيع العربي، ثم التغيرات التي حلت بالإعلام ودوره الاجتماعي، إضافة إلى مزايا حققتها عواصم خليجية تتمتع بالاستقرار الاقتصادي. أما آخر وأهم تلك النتائج غير المتوقعة هو عودة عديد من دول العالم العربي إلى المربع رقم صفر، إبان رسم خريطة سايكس بيكو الأولى، وعليه تبقى علامة الاستفهام في نهاية هذه القراءة هل سيتعدد لهذا الربيع المكذوب رسم سايكس بيكو الثانية، أم أن هناك تعديلات في المسارات السياسية لهذه الثورات تعيدها إلى سياق الوطنية والديمقراطية الحقيقة؟.