وقفة – موازين العفو

محمد عبدالله محمد -

لقد طهر الاسلام العقيدة من الشرك وعندئذ اتجه المسلمون بعقيدة خالصة لله وحده لا شريك له فعبدوه عبادة خالصة لوجهه سبحانه وتعالى وذلك ابتغاء مرضاته فكان جديرا بهذه القلوب المؤمنة والنفوس الزكية ان تشيع فيها الأخلاق الكريمة التي تنطلق في رحاب المجتمع عفوا عن المخطئ في حقها وصفحا عن المسيء لها وهذه مرتبة رفيعة لا يستطيعها إلا مؤمن واثق في جزاء الله له فيتنازل عن حقوق له مرضاة لله وحبا في غفران الله وعملا على وحدة الأمة الاسلامية واتحاد صفها ووحدة كلمتها ورأب صدعها وفي هذا الصدد يأتي التعبير القرآني آمرا بالعفو داعيا الى الصفح ثم يتوج ذلك بجزاء الله الأوفى للعافين والصافحين فيقول تعالى (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

من من المسلمين لا يحب أن يغفر الله له هذه هي نظرة الأخلاق في الاسلام اما نظرية الأخلاق في الفلسفات القديمة والحديثة فهي وان كان وجودها افضل من عدم وجودها فهي لم تبن على اساس معين فانهارت تلك الأخلاق واصبحت نظرية لا رصيد لها عمليا ولا اساس.

اما الاسلام فقد خص الأخلاق بأساس متين ارتكز على العقيدة الصادقة في جزاء الله وفي وعد الله بالغفران للعافين عن الناس والصافحين عن الخلق والمنفقين لهم ابتغاء مرضاة الله ولذلك لم تكن الأخلاق الاسلامية نظرية فقط بل كانت عملية أضاءت المجتمع الاسلامي واصبحت الأخلاق الاسلامية منارة للهداية ورافعة لها الى الأمر بالمعروف والتسامح المنقطع النظير قال تعالى (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ).

وعندما يأخذ الانسان العفو ويعرض عن الجاهلين ويشغل نفسه بالأمر الجاد يكون عضوا عاملا مفيدا مستفيدا بوقته لا يشغله العدوان وحب الانتقام عن السير في الدعوة فليتسامح المسلم مع اخيه المسلم الا في حقوق الله وحقوق الآخرين التي حددها الاسلام وعندما يقوم التعامل على الأخلاق الاسلامية بين المسلم يكون دعوة للاسلام وهداية للنشء من المسلمين وهي ايضا هداية لغير المسلمين ويكون عملهم الصالح المتسم بمنهج الاسلام محبة كما اعتبر الامام مالك امام دار الهجرة المجتمع الفاضل من اهل المدينة قدوة لأنهم لم يخالفوا سنة الاسلام ولا أخلاق الاسلام ولا منهج الاسلام فهي بالفعل المدينة الفاضلة لا مدينة افلاطون التي تقوم على المثل والخيال البعيدة عن الواقع والتطبيق.

ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة قالت عائشة رضي الله عنها (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا -قط- بيده ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله وما نيل منه شيء –قط- فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله –تعالى-.

ولقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم اروع الأمثلة في الصفح والصبر والعفو عن الآخرين فعن انس رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فادركه إعرابي فجذبه بردائه جذبة شديدة فنظرت الى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثرت حاشية البرد من شدة جذبته ثم قال يا محمد مرلي من مال الله الذي عندك فالتفت اليه فضحك ثم أمر له بعطاء.

ان الخلق الاسلامي هو دعوة الى الله على بصيرة وهو تطبيق عملي لمنهج الاسلام.