عائشة السيفية.. نفس شعري طويل في “البحر يبدل قمصانه”

جورج جحا- بيروت: تطل الشاعرة العمانية عائشة السيفية في مجموعة قصائدها “البحر يبدل قمصانه” بنفس شعري طويل متعدد الاتجاهات وبامتدادات موسيقية متتابعة.


لكن من الملاحظ ان هذا النفس الشعري الطويل الذي يستمر في توتره بين قصيدة وأخرى وبتتابع بين قصائد متعددة قد يأتي أحيانا على حساب التجربة الشعورية التي “تتشتت” بسبب هذا التتابع فتفقد مركزيتها في القصيدة الواحدة ليبدو الامر كأنه تتابع مموسق من المعاني والصور.

وقصائد المجموعة تراوح بين انماط مختلفة من الكتابة الشعرية فمنها المتعدد الاوزان والقوافي والمتعدد الاوزان دون تقفية ومنها التقليدي القائم على وحدة الوزن والقافية.

حملت المجموعة 16 قصيدة منها واحدة قصيرة. وقد وردت في 84 صفحة متوسطة القطع وبلوحة غلاف للفنان التشكيلي البحريني محسن المبارك. وقد صدرت المجموعة عن مؤسسة (الكوكب – رياض الريس للكتب والنشر) في نطاق البرنامج الوطني لدعم الكتاب في سلطنة عمان.

في البداية كتبت الشاعرة قصيدة بدت كأنها مقدمة للمجموعة وحملتها عنوانا هو (في الطريق الى الياسمين) وكأن الشاعرة في هذه القصيدة ارادت ان تقول لنا ان الحقيقة مرة وعلينا ان نضفي عليها ما يعطيها بعض الحلاوة ويجعلها مقيولة مستساغة.

تقول الشاعرة “الحقيقة..” اصعب منك ومني” ومن اغنيات بلادي الحزينة” ومن صوت فيروز لما يوقّظ” احلامنا..” حين تغفو المدينة” الحقيقة..” اصعب” اصعب.. لكن” سنزرع في جوفها ياسمينة.”

في قصيدة (ما يشبه حزنا مريميا) تأثر بنصوص قرآنية خاصة سورة مريم اذ تقول الشاعرة “وهزي إليك بجذع القصيدة يسّاقط الشعر” رطبا جنيا” سنمشي الى اخر العمر” نختزل الوحي” نثمر اشهى من اللوز” اشهى سويا” وهزي اليك بغصن الندى” كي يسيل على شفتيك الكلام” فاهتز ريّا”

“ولا تجزعي” فالقصيدة ملح دمي” وأنا سامري نفاه الكلام الى شفتيك” سيمتحن الحب حزني وحزنك” يمتحن النور قلبي وقلبك” يمتحن الله روحي وروحك” لا تخذليني” كما خذل القوم موسى وقد كلم الله وحيا خفيا.

وتكمل متبعة تقسيما موسيقيا وبلاغيا يكاد يصل الى الكلام المنطقي والنثرية فتقول “ولا تخذليني فإني امتحنت المواسم.. أجدبها” واختبرت من النار ..ألهبها” وعبرت الاساطير كل الاساطير.. أصعبها” وخرجت كما يخرج الانبياء من الوحي” هشا” ولكن .. ولكن عصيا!” كلانا وحيدان.. لكن قريبان” كلانا حزينان” لكن رضيان” كلانا مدانان بالحب لكن امينان” على ان نحب بقلب اذا امتحن الكفر عاد نقيا.”

وتنتقل إلى القول في ختام القصيدة “فهزي إليّ يجذع القصيدة”هزيه.. هزيه..” اكثر من ثورة الريح” هزيه اعمق من غضب الموج” هزيه” واستعملي مريميتك الام كي يبعث الله في الجسد البكر” شعرا نبيا.”

وفي (بكائية أخيرة لمنفى من النسيان) التي قيلت في رثاء الشاعر العراقي مظفر النواب قالت الشاعرة “أعزيك يا صاحبي” هل اخذت من الموت ما تشتهي.. وبعثت الى الشعر ما تشتهي؟” واستعنت بخمسين منفى لتكتب اخر ما ترك الفارس الحر” في كبوات الجياد؟” هل اعزيك يا صاحبي بالفنادق؟” هل ترك العمر فيها استراحته؟” هل كفاك الغياب الذي ساعداه المدى.. ويداه الطريق..” الطريق البعيد؟”

وتنتقل من مقطع الى اخر الى ان تصل الى الختام مختارة القافية الواحدة في شعر كلاسيكي معنى ومبنى فتقول “أريدك للشعر يا صاحبي” فهات القصيدة كي نسكرا” وهات نبيذك كي نحتفي” بملح تراءى لنا سكّرا” نريدك للشعر فابسط لنا” عصاك وامطر لنا كي نرى” نميرك شهد وشعرك ورد” وحولك يغد والحمى اخضرا” اناك الغياب وانت الاياب” اناك الثريا وانت الثرى” فنحو عيونك حج فؤادي” وعن ساعدي الهوى شمرا” اريك للشعر يا صاحبي” فرب قصيدتنا سافرا.”

وتنتقل الى قصيدة كلاسيكية أيضا بعنوان (بكائيات على جسد الليل) فتقول “نشج الليل بعيني وبكى” كيف يبكي من من الدمع غرق؟” وهوى كالظل يمشي واقفا” مثل نجم مسه حزن الغسق” صاخب حزني وليلي صامت” وارتباكي في لظى الصمت علق.”

وفي قصيدة (العائد من الذاكرة) تعدد في القوافي والاوزان وفيها تقول عائشة السيفي “كأنك أكثر من صدى وأقل من الضوء حزنا” على الراحلين من الذاكرة” ستكتبك الزرقة النبوية في الغيب” فارم مشيئة حزنك بالورد” واثن عصاك عن الشك” إن الطريق طويل كقلبك” والشعر أكبر أخطائك النبوية” والحب بابك للمغفرة.”

في القصيدة الكلاسيكية (السوناتات الاخيرة لنبي الرمل) قالت الشاعرة “أحيلك للرمل يا صاحبي” فناد المشيئة” كي نهلكا” ونمق بموتك احزاننا” كما نمق الموت احزانكا” وقل ما تشاء وابق لنا” وداعية حبرها دمعكا” لنا يا صديقي غناءاتنا” فدع لغناءاتنا صوتكا” تعال نعرّف أحزاننا” كما عرفتنا الهموم بكا.”

في قصيدة (ويخجلني) تقول الشاعرة “ويخجلني ان تكون الحقيقة غيري” وان يصبح الشعر ملكا لغيري وان اشتهيه كما تشتهي الام” خد الرضيع” ويخجلني ان تكون النهاية لي وانا غارق في البداية مثل نبي” القطيع” ويخجلني الحب حين يقرر ان يصطفي غفوة لحبيبين” يقترفان البياض ويستحيان من الليل…

“وتخجلني وحدة الذكريات اذا هاجمتني فقيرا من الحب” والشجن العذب” يخجلني الصمت حين تغني السماء واصمت صمت الكليم”وقد كلم الله ثم اكتفى” ويخجلني ان تكون القصيدة غيري لان القصيدة نصف دمي” والقصيدة صمت فمي” والقصيدة كلي.. ول”ا كل لي حين يخجلني ان تكون القصيدة غيري.”

وفي قصيدة (منتصف الطفولة..منتصف الحب) تقول “حبا طفوليا أريد” ودفترا للرسم.. كعبا عاليا للرقص.. كي يبدو الغناء على طريقته” ولا احتاج من لغة الغرام سوى بساطة لثغتي في الراء” ولا أحتاج أكثر من بكاء رضيعة حيرى تحاول ان تدرب” نفسها لتصير أنثى.”