مقنيات …. شتاء آخر

عادل الكلباني -

يوغل جدي في سيح القرية

باحثا عن حطب
متيقنا أن السمرة اليابسة
التي شاهدها ذات صيف
مازالت تناديه …


رغم مابينه وبينها

من دروب ومنازل

رغم التشابه بينهما

في الحزن والرثاء …


برد مقنيات القارس

علمه أن النار دواء

لعلته المستعصية على البرء

لا يزجي أشعاره

ولا توقظه الذكريات

عدا على النار الموقدة

في (الصريدان)

من حطب السمر



يستنشق دخانها كمدمن

يمعن في التيه والغياب

متشربا لحظتها

من نار الشتاء

ليبعثر بعد الدفء

على أحفاده

سوالفه الدفينة

كحكمة يصقلها الوهج.



أحزان جدي تشبه

نار أضرمتها

ذات مساء

توهجت وحين التهمت

وجبتها

تراجعت كالمنكسر

وتركت ورائها

جمرا مشتعلا باللهيب.



إنتحبت جدتي

متذكرة فقيدها

الذي خطفه الموت

تدفقت من عينيها

دموع أطفأت

جمرة تدحرجت

على البساط .



كان عبود ينشد

شعرا لا أفهمه

وهو يجمع الحطب..

ماأذكره أن

حزنه الضاري

بداخله كالحنين

يضرمه في النار.

….

أمام النار تشرب

جدتي فنجان قهوتها

المستوي على الجمر

ويظل الفنجان عالقا

في يدها موغلة بعيدا

في حزن قديم.

أين أختفى ذلك

الوجه الجميل الذي

يشبه المطر؟.



لماذا كلما أقتربت

من نار الشتاء؟

تذكرت طفولتي

المعلقة فوق النخيل

حتى إذا إقتربت

من الجمر

سمعت خرير الفلج

تركنا سواقيه

دافقة في الضواحي.


….

في شتاء بعيد

كلما شمت نار بيت السيح

تأتي عجوز من آخر الحارة

تلقي السلام وتجلس

قرب الجدة .

تتحدثان في الذكريات

فيتكثف الدخان فوق

جذوع السقف

وماأن تضحكان

حتى ترى الدخان

يتراقص

ويرفرف خارجا

كطيور الفرح

من ثقوب الجدران.

….

لا تشعلي النار ياقمر…

لا تشعليها يابنيتي

لئلا تاتي الطفولة

وحيدة هذا المساء

من دون الرفاق.


….

لا تطفئ النار ياحياة…

لا تطفئيها ياصغيرتي..

دعيها مشتعلة

دعي الجمر يلتهب


دعيه …

عل الذكريأت

التي ناديتها في الحلم

تنبجس دافئة بالحنين