الكتابة المغربية خناتة بنونة ل شرفات: أنا مناضلة سياسية لا أشبه أحدا وأغمس قلمي في كل ما هو محرق وخطير

Book Formزارت الروائية والقاصة المغربية خناتة بنُّونة مسقط، ضمن الوفد الثقافي المغربي، إبان انعقاد مؤتمر المكتب الدائم للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب الجمعية العمانية للكتاب والأدباء، في شهر نوفمبر الماضي، وذلك لاستلام «جائزة القدس لعام 2013» الممنوحة لها، باعتبارها كاتبة متفاعلة مع القضية الفلسطينية، وقد قيمتها المادية لمؤسسة «بيت مال القدس»، من جانب آخر تعد خناتة أول كاتبة مغربية تصدر مجموعة قصصية، ولاقت أعمالها القصصية والروائية رواجا لدى القارئ المغربي، وفي هذا الحوار الذي أجريناه معها أكدت أن المغرب قام بتكريمها 47 مرة، وتذكر أيضا أنها باعت مجوهراتها لتنشر على نفقتها أول كتبها «ليسقط الصمت»، وأسهم الزعيم السياسي علال الفاسي بطبع كتابها الثاني «النار والاختيار» والصادر عام 1986م، من مؤلفاتها أيضا: «الصورة والصوت» 1975، و«العاصفة» 1979، و«الغد والغضب» 1981، و«الكتابة خارج النص» 1984، و«الصمت الناطق» 1987. شرفات التقى بالكاتبة وأجرى معها هذا الحوار:-


حوار: محمد الحضرمي -

•كيف وجدت عمان بعد زيارتك الأولى لها؟


وجدتها من البلدان القليلة التي لم أتشرف بزيارتها من قبل، وكنت في حقيقة الأمر مشتاقة إلى تحقق هذه الزيارة، وحين وصلت مسقط فوجئت بما وجدت عليه عمان، ليس من ناحية المبنى والمعنى، بل إن كل ما صادفني فيها أسعدني كثيرا، وعلى رأسها الانسان العماني، هذا الإنسان المثقف، والراقي واللطيف والخدوم، والمسلم الحقيقي، فوجئت أيضا بجمال المدينة ورونقها، وببحر العرب، الذي كان سفينتنا الى الديار الأجنبية، الحالة للرسالة الدينية والثقافية لتلك البلدان، وأرجو أن يكون الانسان العماني وفيا لتاريخه، وحضارته، وأن يطبع بصمته الثقافية على كل شيء.


47 تكريما في المغرب


•لك أعمال قصصية وروائية كثيرة، واهتمامات بتجارب في مجال النضال من أجل الوطن والحرية، حدثيني عن هذا الجانب؟

على أين حال فإن اشتغالاتي متعددة، فأنا كاتبة ومناضلة وسياسية، ومعروفة كثيرا في المغرب، ومحبوبة أيضا، وقد أقيم لي 47 تكريما في المغرب، وفي اوروبا صنع لي فيلم تسجيلي يوثق حياتي، وأقول: لو أن المغاربة وضعوا لي تمثالا من ذهب، فإن هذا لا يعني لي شيئا، مقابل محبة الناس التي يعاملونني بها، فهم يصفونني بملكة الثقافة المغربية، والمرأة المخلصة التي لم تبع مبادئها، مقابل مبادلتها بكرسي الوزارة، لأنه طلب مني أن أكون وزيرة للثقافة فرفضت واعتذرت.


•لماذا اعتذرت .. ما هي الأسباب؟

لأنه إذا دخلت العمل الرسمي، وجلست على كرسي الوظيفة، أكون قد تخليت عن مبادئي ومواقفي، ويكون عليَّ أن التزم مع اللفيف الحاكم، وانا أرفض ذلك؟، أنا عصية على الطاعة والامتثال.


•هل نفهم أنك على غير وفاق مع اللفيف الحاكم للمغرب؟

كنت من أشد المعارضين في الساحة السياسية للملك الحسن الثاني، معارضة لسياسته الداخلية، وفي الوقت ذاته كانت معجبة به كثيرا، معجبه به كفنان وسياسي محنك وداهية، وفنان ذواق، كان نموذجا لا مثيل له في الساحة، ولكني كنت أختلف معه في سياسته الداخلية، لأنه كان ينقل له أشياء مغلوطة، دون أن يتقصى الحقائق.


سنوات الرصاص والجمر

•لذلك يصف الكتاب المغاربة سنوات الحسن بأنها سنوات الرصاص والجمر؟

نعم، لأننا تعرضنا لضيم كبير، بسبب البطانة الفاسدة التي معه، ومن بينهم المصري وأوفقير والدليمي، تلك البطانة التي وضعت حاجزا بينه وبين الشعب.


•كيف كانت ردت فعل السياسة المغربية إزاء ايام نضالك والذي لا يتوافق مع مبادئها؟

خلال مسيرتي النضالية في المغرب تعرضت لإغراءات كثيرة، وعرضت علي بيوت فاخرة، وكنت في بداية مشواري الثقافي، أنا أول امرأة أصدرت مجلة ثقافية لنساء أهل المغرب، اسمها «شروق»، لكنها توقفت بعد ذلك، وأبلغني رئيس اتحاد كتاب المغرب بإعادة طبعها من جديد، وأصدرت أول مجموعة قصصية في تاريخ المرأة بالمغرب.


الجحيم العربي


•باعتبارك مثقفة كبيرة في المغرب، كيف تقرأين المشهد الثقافي؟

كما تعلم فإن الوضع السياسي كان له تأثير كبير في الساحة الثقافة العربية، وبعد هذا الربيع العربي، أو كما أسميه (الجحيم العربي)، حيث ظهرت له تأثيرات سلبية على الساحة الثقافية العربية، وبدوره تأثر المشهد الثقافي المغربي بهذه المتغيرات السياسية، وتأثيرات أخرى كالأنترنت والتلفزة، كلها تأثر بشكل سلبي على المردودية الثقافية للجيل الجديد، لا في المغرب فحسب ولكن في كل بلدان العالم.


•وباعتبارك روائية، هل تفاعلت مع المشهد السياسي العربي؟

نعم، كتاباتي القصصية والروائية والمقالية، ومحاضراتي التي ألقيها، جميعها لا ينفصل فيها السياسي عن الثقافي، وقد شاركت في مؤتمرات عربية كبيرة أقيمت في مختلف دول العالم، كالصين، والاتحاد السوفييتي، لكني لم أشارك في أي مؤتمر أقيم في أمريكا، فقد رفضت زيارتها، قلت: لن أزور إسرائيل الكبرى التي تحكمها اسرائيل الصغرى.


كاتب عربي حر!


•هل وجدت رسالتك الأدبية قبولا لدى القارئ العربي؟

المجتمعات العربية في حاجة إلى الكاتب الملتزم بقضايا وطنه وإنسان وطنه، وطموحات وطنه، ويعالج أمراض وطنه، حينما كنت في القاهرة حيث زرتها مرات متعددة، كان هناك من يدعو أن يصبح الكاتب العربي حرا في تناول ما يشاء، فاعترضت عليه، مع أني ترأست جلسة في القاهرة، قلت لهم: هل تحققَ للمجتمع العربي الاشباع والحرية والديمقراطية، أم إنه ما زال في حاجة إلى كل هذه الاحتياجات السياسية، هل هو مجتمع يشبه مجتمع السويدي أو أي مجتمع أوروبي، وبما أنه مثقف ويحمل نسبة من الوعي، فخيانة منه ألا يكون ملتزما بقضايا وطنه ولسان وطنه، بما يعنيه الوطن ماضيا وحاضرا ومستقبلا.


•هل أفهم من كلامك أن في أعمالك الروائية تطفو الروح السياسية والوطنية؟

يقال عن كتاباتي: إنه من لم يقرأ فيها ما هو مسكوت عنه، ما بين الحروف والكلمات فهو لم يقرأ لي شيئا.


•هل أسهمت أسرتك في تحفيزك على الكتابة؟

أنا أنحدر من أسرة متدينة ومتخلقة، وأسرتي ابنة المساجد في المدن والبوادي، وحولنا بيتنا في فاس إلى مسجد، أنا من أسرة متدينة، صعبة المراس، لكن لا علاقة ذلك بالثقافة، إلا الثقافة الدينية. والكل يتعجب، إذ كيف خرجت من أسرة ليس لها رصيد معرفي أدبي كبير، وقد سألت سابقا هذا السؤال من صحفي عراقي، قلت له: أنا لست عالمة أنثروبولوجية، ولا عالمة اجتماع، عليكم أنتم أن تحللوا هذه الظاهرة.


زيارة لبيت دوستويفسكي


•كيف كانت علاقتك بأسرتك؟ هل كان لها دور في توجهك الثقافي، وهل ثمة كتاب تأثرت بهم؟

ولدت بعد خمسة ذكور، وأنثى واحدة، من أب ليس لديه أخ ولا أخت، وأم لديها اخوان اثنان، وكانوا مناضلين، وحكم عليهم بالإعدام، وسلب منهم ممتلكاتهم، وما عملته أنا لا يأتي شيئا مقارنة بما قامت به أسرتي من نضال، وما قاسته في حياتها من ضيم وضنك، لكن حين أكون أنا كاتبة هناك أولا كان الكتاب لعيبي وملعبي، وكنت مختلفة من الأول، كما تشهد بذلك أسرتي، وتأثرت كثيرا بالكتاب الكبار، المتنبي ودوستويفسكي اللذين سكناني منذ الطفولة، وحين زرت الاتحاد السوفيياتي، اغتنمت الفرصة وزرت بيت دوستويفسكي مرتين، وفي كل مرة يصمت اللسان وتبكي العين، كان عبقريا استثنائيا في زمنه، وكان بودي أن أزور تمثال المتنبي في بغداد.


•هل كانت بداياتك بكتابة القصة حيث صدرت لك أولى مجموعاتك؟

بدأت بكتابة الشعر، وأتذكر أنني كتبت قصيدة في فلسفة القوة متأثرة بنيتشه، كانت قراءاتي كثيرة جدا، وذاكرتي قوية جدا، وكنت أنفر من الكلام المسطح، وأميل الى اللغة الغنية الدسمة والملونة والراقية، فيها حمولة وتنويع وتجديد في التركيب، ومن ثم تحولت الى كتابة القصة القصيرة ثم الرواية.


•كيف كان قبول الناس والمجتمع لكتاباتك في ستينات القرن الماضي، حيث كانت بداياتك؟

حينما نشرت أول مجلة ثقافية، جاء وفد من علماء جامع القرويين ليهنئ والدي على هذا الانجاز الثقافي، كانت بداياتي في فاس، ففيها نشأت، ومنها خرجت وانطلقت، وحدث أن اعتقلتني الشرطة في فاس مع بداياتي النضالية، وكان أهل فاس كلهم معي، واليوم فإن أهل المغرب كلهم معي.


فاس والقاهرة أثيرتان


•هل تكون فاس هي مدينة الأثيرة؟

نعم هي مدينتي التي أنتمي إليها أسريا، ففيها ولدت وعشت، ولكن أيضا أفضل مدينة القاهرة، حينما أذهب إلى خان الخليلي والسوق الشعبي في القاهرة، أنسلخ من أناي، وأخل في حالة لا توصف.


•هل كانت لك معرفة بالأديب الكبير نجيب محفوظ؟

التقيت معه وأجريت معه حوارا صحفيا، واعتبره معلما روائيا كبيرا، وقد قرأت له مجموعة من الروايات مع بدء مشواري الثقافي, ولكني اختلفت معه حين زار اسرائيل مع السادات، أنا ما قبلتها منه، ولا قبلت زيارة السادات، لأنه زيارته لإسرائيل يكون قد اغتال نصر اكتوبر.


• ما قولك في مصطلح الأدب النسائي؟

هذه تقليعة جاءت من الغرب، أنا ضدها تماما، ولا أقبلها، فإما أدب حقيقي وجيد، وإما كلام فارغ، ولا علاقة له بجنس الكاتبة.


• هل تأثرت بالمدرسة الفرنكفونية؟

أبدا، لم أتأثر بها، أنا خريجة المدرسة الوطنية، حيث درست التعليم الابتدائي في الوطن، وأعد نفسي ابنة الزعيم الوطني المغربي: علال الفاسي في فكره، وكان يعتبرني كإحدى بناته.


لا أشبه أحدا


•يشبهونك بالكاتبة الفرنسية فرنسواز ساجان، ما هي ردة فعلك إزاء ذلك؟

أولا أنا لا أشبه أحدا ما، وأسعى إلى تأسيس ثقافة معاصرة حقيقية، أستطيع أن أواجه بها الآخر، أما فرنسواز ساجان، فهي كاتبة فرنسية كبيرة، لكني أرفض أن أكون مثلها، ربما أشبهها في اللغة الشعرية، والكلمات القصيرة الدالة، عدا ذلك فأنا لا أشبهها في أي شيء، ثم إن ورائها المجتمع الثقافي المخملي بباريس، وأنا ورائي مدينة فاس العريقة، وهي تكتب هلوستها التي تأتيها بعد السكر، أما أنا فأغمس قلمي في كل ما هو محرق وخطير.


• ما الكلمة التي توجهينها للكتاب والكاتبات؟

عليهم بالوفاء، في اختياراتهم، والوفاء للكلمة الأدبية الحقيقية، والاخلاص للوطن والأمة وللإبداع، والدعوة وبإلحاح أن يكون الكاتب كنزا ثقافيا، حتى إذا كتب تشعر أن كتابته تعطيك الكثير، والمعرفة بأنواعها المختلفة، أنا في رواياتي وظفت علم الفلك، وسورا من القرآن الكريم.