صورة فوتوغرافية قديمة واضحة المعالم

ضحى عبدالرؤوف المل -

يتصاعد خط الزمن ويهبط، فتختفي امكنة قديمة وتنشأ امكنة جديدة اخرى . وحدها يد الانسان هي التي تؤرخ لزمكانية مرسومة في تفاصيل رؤية فنية مصحوبة بشغف فوتوغرافي يبدأ بنظرة من عدسة، وينتهي عند «نيجاتيف» محمل بمعالم ازمنة وامكنة نحتاج للتدقيق في تفاصيلها. لأنها قد تكون في لحظة ما هوية تثبت أن اللحظة هي ملك للانسانية بكاملها، خصوصا وأن المستقبل هو حصيلة لماض يتجدد وفق تصحيحات نستنتجها عبر الاجيال، فماذا لو دققنا جيدا في تفاصيل ذاكرة الشعوب، وما تحمله من تراث فوتوغرافي مرسوم بعين عدسة بحثت عن الاحتراف، فتركت للعتمة ان تلتقط كل ما هو مضيء على سطوح انعكاسية.


في اسلوب « محمد ترجمان» لقطات عفوية عامة وخاصة. نتجت عن عمل تصويري يهدف الى البحث عن لقمة العيش، ومن ثم تسرب حب المهنة في نفسه. لتصبح العدسة رفيقة عمر ودرب تأخذه حيث المنظر الجميل ، وحيث الابتعاد عن هموم الحياة. ليشعر في لحظة ما انه بحاجة لتصوير ذاتي لكن الدمعة خانته ، فتساقطت على خديه لتصبح في ذاكرة النيجاتيف ظل دمعة انعكست تحت ضوء شمعة، وهنا كانت بداية نظرة جديدة جعلته يحتقظ بتواريخ كل لحظة يلتقطها لتتجمد، وتتجدد كلما نظر اليها الناس لتشتمل الصور على مراحل حياتية مختلفة بقى منها ما افلت من يد جيوش الاحتلال سنة 1982 ليحيا ما تبقى في ذاكرة لبنان والعالم من خلال ما التقطته يد ” محمد الترجمان” وعينه الضوئية.

تتنوع الصور في تراث « محمد ترجمان» الفوتوغراقي ما بين مواقع اثرية في صيدا وصور تثير الاعجاب. لما تحمله من وضوح في الرؤية مع التقاط لاغلب الاماكن اللبنانية، ولحظات حياتية شبه يومية أو تاريخية أو اثرية أو من ثورات وحروب ، وحتى لوجوه زعماء في مناسبات متعددة أو لعائلات من مدن مختلفة، كصورة لرجل وامرأة من عائلة الباشا حيث تظهر فيها ملامح البورتريه التي تعكس التراث اللبناني ، وما ارتبطت به العائلات الملتزمة في تلك الفترة الزمنية التي أصبحت من الماضي في حاضر يبحث عن هويات يرصد من خلالها كل حركة زمنية توقفت في صورة تلعب دورا مهما في بناء مفاهيم جديدة عن صور فوتوغرافية تم التقاط اغلبها باسلوب عفوي توثيقي يحافظ على التماثل المرئي في الفن الفوتوغرافي الفطري.

تحاكي الصورة بكينونتها الحيوية حواس المتلقي، فهي تترجم بصمتها كل تعبير نلمسه من وجه او لباس او مكان او منظر طبيعي، وما الى ذلك. لانها بكل تفاصيلها تنقل المشهد، وكانها تعيد اسقاطه من عدسة مختلفة على ورق حفظ تفاصيل مرحلة سعيدة او حزينة . كما في صورة العيد في صيدا عام 1950 وما تمثله من فرح يغمر الكبير قبل الصغير حيث الارجوحة الخشبية القديمة، وما تمثله من جماليات في زمن احتفظت به صورة التقطتها عدسة لبنانية جمعت ذاكرة مشحونة باحداث مختلفة حتى بثورة سنة 1958التي رسم لنا ملامحها ” محمد ترجمان ” بعدسته الضوئية من خلال صور نشاهد فيها مجموعات الشباب والاسلحة القديمة المستخدمة في صور حفظت لنا بثبات فوتوغرافي لحظات من الماضي يفتخر بها لبنان.

صور مداخل مدينة صور ، المراكب الخشبية، حارة الكاثوليك ، بورتريه لوجوه متعددة، طوابع بريدية من بلدان عديدة عملة نقدية معدنية ما زال يحتفظ بهم ” محمد ترجمان” رغم ما ضاع منهم الا انه يمتلك من الصور ما يحاكي به زمان الماضي والحاضر، وما يجعله يتمنى عودة الزمن ليتفاعل مع العدسات الجديدة ، والتقنيات القديمة ليدمج الازمنة في صور ما زال يطمح في التقاطها خصوصا وان التقنيات اختلفت. الا ان للعدسة الضوئية فتنتها، فهي ما تزال في ايدي الهواة والمحترفين تبحث عن لحظة لتؤرخها في ارشيف جيل يبحث عن تفاصيل الماضي.

يقول المصور “محمد ترجمان” يا ليت زمن الصورة الاولى التي التقتطتها عام 1948 يعود من جديد لامارس فن التصوير الفوتوغراقي اكثر واكثر ” ان الصور القديمة من اللونين الابيض والاسود ترتكز على اساسيات ضوئية لم يمكن تجاهلها ولو عفويا. لانها تحتاج لمعرفة في نسب معينة ولمقدار من الكثافات المختلفة من اللون الرمادي، وهو مجموع الابيض والاسود بتدرجات مختلفة مع تسليط الضوء على موضوع الصورة الاساسي دون ان نتناسى الخلفية، ومجموعات الخطوط وتوزيع الكتل والعناصر الفنية، وفي اغلب صور ” محمد ترجمان” الفوتوغرافية نلمس هذا التوزيع الحسي الفطري فنيا ، فوضوح الصورة وسطوعها، وتبسيط مشاهدها هو ما يميز اغلب الصور التي تم التقاطها نهاراً ، وعند ارتفاع الشمس عند نسبة معينة ، وهذا ما يجعل الظل يتراءى في بعض الصور بشكل يوحي بالوقت . وفي هذا يقول « محمد ترجمان» : غالبا ما كنت احمل الحصيرة لاستخدمها كخلفية في حال اضطررت لالتقاط صورة سريعة لشخص ما فهل سيحمل لبنان صور « محمد ترجمان» لتصبح كهوية وثائقية فوتوغرافبا، وتزور معارض عربية وعالمية لنحاكي التاريخ اللبناني من خلال صورة فوتوغرافية قديمة واضحة المعالم؟..