تأسيس وتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة

لؤي بطاينة -

Lbb_65@yahoo.com
تشكل المنشآت الصغيرة والمتوسطة في دول العالم المتقدم حيزًا مهمًا وكبيراً من النشاط الاقتصادي وبدأ الاهتمام الآن وبشكل أكبر وأشمل في دول العالم النامية لأهمية تلك المنشآت والمؤسسات وقدرتها ومرونتها على توفير فرص العمل والوظائف وتوطينها وتدريبها، وهي لا تَقل أهميه عن المنشآت والمؤسسات الكبيرة بل تعتبر هذه المشروعات والمنشآت عاملاً مكملاً ومساعداً لعدد كبير من المشروعات والشركات الكبيرة، وخاصة في القطاعين الصناعي والزراعي.


بكل تأكيد ان المنشآت الصغيرة والمتوسطة في البلدان العربية ما زالت تسهم في استيعاب نسبة عالية من حجم القوى العاملة، والتخفيف من حجم الباحثين عن عمل وتحقيق النمو المتوازن في المدن والمناطق والأرياف بسبب انتشارها الواسع، ومحدودية تمويلها، وبساطة انتاجها، واعتمادها على المدخرات الشخصية.

ويسيطر القطاع الخاص على غالبية اقتصاديات الدول وخصوصاً المتقدمة، ويَملك هذا القطاع ويدير حوالي أكثر من 95% من اجمالي المؤسسات والشركات والمنشآت المسجلة.

وتلعب المنشآت الصغيرة والمتوسطة دوراً هاماً في القطاع الخاص تحديداً، لأنها تساهم بما يقَدّر بـ50% من الناتج المحلي الاجمالي، كما تشغل حوالي 60% من اجمالي قوة العمل. وبينما يعمل عدد كبير من المنشآت الصغيرة والمتوسطة في نشاطات التجارة والبيع بالجملة، فان شركات الانتاج تمثل حوالي 14% من هذه الأعمال كما جاء بأحد التقارير الدولية.

لقد أصبحت المنشآت الصغيرة والمتوسطة محور اهتمام الحكومات بسبب قدرتها الكامنة على معالجة قضية مهمة، الا وهي توفير فرص العمل وتوطينها. وبما أن المنشآت الصغيرة والمتوسطة تؤمن حوالي 60% من فرص العمل في الدول المتقدمة، فقد اهتمت الحكومات بتشجيع النمو في هذا الجزء من الاقتصاد وخصوصاً خلال الأربعين سنة الماضية والتي بكل تأكيد ساعدت تلك الدول في نموها الاقتصادي والاجتماعي.

ان التمويل يَبقى عائقاً أساسياً أمام عدد كبير من المنشآت الصغيرة والمتوسطة، نتيجة لغياب الموجودات والأصول المقبولة كضمانات في المصارف والبنوك التجارية، وعدم وجود خبرات وقدرات ادارية ومهنية لدى تلك المنشآت بالاضافة الى النقص وعدم وجود أنظمة المحاسبة والادارة المالية. وللحد من تلك المصاعب والعقبات، فقد قامت الحكومات وخصوصاً العربية، سعياً منها الى دعم والمساعدة في تطوير المنشآت الصغيرة والمتوسطة، من خلال تسهيل تأسيس عدد من المؤسسات والمنظمات التي تمنح المساعدات المالية، وتبني المبادرات، والمساعدة بالدعم التقني وخدمات التدريب.

ان الدور المنوط بالقطاع الخاص والحكومات في ايجاد فرص العمل والحد من الفقر والمنشآت الصغيرة والمتوسطة وتمويلها والواقع والتحديات والدروس المستفادة من المنهجية البديلة واحتياجات رأس المال البشري، كل تلك الأمور أصبحت من المبادئ والاستراتيجيات الوطنية المقترحة لتنمية الريادة والمنشآت الصغيرة والمتوسطة وبرامج عمل لتفعليها والاطار المؤسسي والقانوني لتنمية تلك المنشآت وتعزيز سبل حصول تلك المنشآت على التمويل في الدول كطلب من قبل البنك الدولي.

ان المفهوم الموحّد لتلك المنشآت ودور القطاع الخاص هو ايجاد فرص العمل وذلك للمساهمة في تخفيض معدلات الباحثين عن عمل في منطقة الشرق الأوسط بدءا بالتزايد والنمو لمستويات مهمة وكبيرة.

ان أهمية تلك المنشآت تتمثل في ترسيخ دور الريادة والمشاريع الاقتصادية في احداث التنمية الاقتصادية المستدامة والمساهمة بايجاد فرص العمل والحد من مشكلة الفقر وخاصة ان الاتفاق الضمني والأخلاقي والاجتماعي سيتم من خلال معالجة التحديات الحالية بجهود مشتركة من القطاعين العام والخاص ومؤسسات المجتمع المدني. ووفقاً لاحدى الدراسات فان أعداد المنشآت الصغيرة والمتوسطة العربية بلغت بالتزايد والنمو وبشكل متسارع وكبير وبلغت أعدادا كبيرة وخصوصاً بعد ما يسمى بالربيع العربي، وحددت الدراسة نفسها التحديات التي تواجه تأسيس المشاريع الصغيرة والمتوسطة، كان من أهمها ضعف الثقافة الريادية وصعوبة الوصول للتمويل والأسواق وضعف المهارات الادارية والتحديات القانونية والتنظيمية والادارية.

ان البرامج والدراسات والخبرات الاقتصادية التنموية المَنقولة عن تجارب عدد من الدول المتقدمة في البناء والتحديث والتطوير، تحدثت مبكرا عن فرص التنمية الشاملة أفقيا، والبناء عليها عموديا. كما تحدثت أيضا، عن ضرورة مشاركة القطاع الخاص في تحمل مسؤولياته الوطنية، وشراكته المفتوحة على الاستفادة من الفرص المتاحة والاستفادة من تجاربه الرائدة في الادارة والتطوير. وان بناء الاقتصاديات الوطنية تنموياً، يعني بالضرورة أن يكون البناء للاقتصاد بناءً متيناً، وعدم التأثر بأي اضطراب اقتصادي وان كان يجب أن لا يكون قاضياً وماسحاً لأية مكاسب اقتصادية واجتماعية، ويجب أن نتعلم من التجارب التنموية الآسيوية والأوروبية. وان تعزيز منظومة المنشآت الصغيرة والمتوسطة لدى الأسر والجمعيات، سواء في المدن، أو القرى، يعني بالضرورة أننا وجهنا التنمية بالشكل الصحيح والملائم والصحيح، وأننا تركنا هامش الاعتماد على الذات كبيراً ورحباً، مع الأخذ بعين الاعتبار عدم تخلي الحكومات عن دورها في متابعة شؤون المواطنين وتحمل مسؤولياتها الأخلاقية والمالية والاجتماعية الكاملة.

ويجب على الحكومات متابعة نجاح تلك البرامج التنموية والعمل على توسيع قاعدة تمكين والمحافظة على الطبقة الوسطى في المجتمع مع العمل على ترقية الطبقات الأقل حظاً، من خلال زيادة عدد الأسر المنقولة من الطبقة الفقيرة ومحدودة الدخل الى الطبقة الوسطى، وهي الطبقة ذات الدور التنموي الضروري والهام في غالبية المجتمعات والدول.

ان النظرة العالمية تتحول نحو التأكيد على دور المنشآت الصغيرة والمتوسطة بصفتها من أهم المحركات التنموية الاقتصادية، التي تنعكس أرقامها ايجابا على الاقتصاديات، نمواً مضطرداً، وتنمية شاملة.

ولمواجهة التحدي والصعوبة في ايجاد التمويل المالي وتسهيل الحصول عليه بكلف تنافسية واجراءات ميسرة لغايات تمويل المنشآت الاقتصادية ذات الجدوى والاستدامة، تقوم العديد من الحكومات بإدراك تلك التحديات الكبيرة التي تواجه تلك المنشآت في هذا المجال والذي تؤكده الأرقام حيث إنه رغم أن المنشآت الصغيرة والمتوسطة تشكل مانسبته 97% من عدد الشركات وتساهم بـ70% من فرص العمل المتولدة من القطاع الخاص، وتساهم بـ45% من حجم الصادرات التحويلية، الا انها لا تحصل الا على 5% من حجم الاقتراض المتوفر، هذا بالاضافة الى الضمانات العقارية وفترات السداد القصيرة.

والحكومات تعمل وبالتعاون مع عدد من المؤسسات العالمية والدولية ذات العلاقة لتقديم الدعم من خلال تطوير وسائل وأدوات لتحقيق هذه الغايات. ومنها تأسيس صناديق تمويل وطنية وتنموية تعمل على تمكين الريادة والمنشآت الصغيرة والمتوسطة من النمو والتطور بميزات تساهم في رفع مقدرتها على النجاح والاستدامة.

بكل تأكيد ان الخطط والاستراتيجيات ان لم تجد فرص عمل مستدامة فهي لن تؤدي بدروها الى احداث تنمية حقيقية، ان فرص العمل يجب أن تكون مشتملة على عنصر القيمة المضافة. كما ان وجود قطاع خاص قوي يعني تحقيق التنمية الاقتصادية، وأن مستقبل الدول العربية وخصوصاً النفطية من حيث القوة الاقتصادية يرتبط بمدى قوة القطاع الخاص على اثبات نفسه وجدارته المالية والائتمانية والاقتصادية وقدرة المنشآت الصغيرة والمتوسطة على اثبات نفسها ودورها في الاقتصاد، وكون هذا القطاع يعد المولد الأكبر لفرص العمل في أية دولة.


** تم الرجوع والاستعانة بعدد كبير من الأبحاث والدراسات والمقالات والآراء بهذا الخصوص في هذه المقالة..